الفيلق الأفريقي الروسي- قاعدة ليبيا الجديدة تهدد السودان؟

إن الوجود العسكري الروسي غير الرسمي في شرق وجنوب ليبيا، وتحديدًا في المناطق الخاضعة لسيطرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى العام 2014. كما أن نشاط ما يُعرف بالفيلق الأفريقي الروسي، وهو الاسم الجديد لشركة "فاغنر" الأمنية الروسية سيئة السمعة، ليس أمرًا مستغربًا، حيث ينطلق هذا الفيلق من خمسة مواقع استراتيجية رئيسية في شرق وجنوب ليبيا، تشمل: قاعدة لوجستية بحرية متواجدة في طبرق، ومركز قيادة وتنسيق أمني في مدينة بنغازي، ومعسكرات منتشرة في جنوب ليبيا في منطقة براك الشاطئ، بالإضافة إلى معسكر آخر في منطقة الجفرة، والتي كانت المقر السابق لوزارة الدفاع الليبية خلال عهد القذافي، ومعسكر متخصص في التدريب والتوجيه يقع في مدينة سرت على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
إلا أن الأمر المستجد والمثير للقلق هو فتح معسكر جديد تابع للفيلق الأفريقي الروسي بالقرب من الحدود الثلاثية المشتركة بين كل من السودان وليبيا وتشاد، وتحديدًا في منطقة "معطن السارة" الواقعة جنوب شرق ليبيا، على بعد حوالي 322 كيلومترًا جنوب غرب مدينة الكفرة. وتعتبر "معطن السارة" آخر نقطة عسكرية وتجارية ليبية في الجنوب الشرقي، حيث تعبر من خلالها الطرق المؤدية إلى كل من جمهورية تشاد والسودان. وتضم المنطقة معسكرًا قديمًا للجيش الليبي يعود إلى عهد القذافي، والذي تم إهماله وتوقف العمل فيه منذ العام 2011.
تعتبر منطقة "السارة" جزءًا أساسيًا من ما يُعرف بالمثلث الحدودي الذي يعجّ بالمرتزقة والمهربين والمهاجرين غير الشرعيين، وتخضع للسيطرة الكاملة لقوات خليفة حفتر التي تعمل على بسط نفوذها على كامل المنطقة الشرقية ومناطق الجنوب الليبي، وبالأخص المناطق الحدودية مع كل من السودان وتشاد والنيجر.
تجري حاليًا ترتيبات مكثفة في هذه المنطقة، بالتزامن مع التطورات الهامة التي تشهدها الساحة السودانية. وتسعى قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التي تقدم الدعم والتعاون لمليشيا الدعم السريع المتمردة في السودان، إلى استكمال التجهيزات اللازمة وإعداد القاعدة الجديدة في "معطن السارة" لاستقبال ما يقارب الألف جندي من قوات فاغنر الروسية بهدف إلحاقهم بالفيلق الأفريقي، الذي تم نقل رئاسته مؤخرًا إلى الأراضي الليبية.
الأمر الجديد والخطير في هذا السياق، هو ورود معلومات موثوقة تتحدث عن محاولات حثيثة لنقل وحدات قتالية من الفرقة الرابعة المدرعة التابعة للجيش السوري، والتي بدأت بالانسحاب من العاصمة دمشق مع اقتراب سقوط نظام بشار الأسد.
من بين التجهيزات الجارية والتي يشرف عليها بشكل مباشر صدام حفتر، قائد القوات البرية في جيش اللواء المتقاعد والمسؤول عن تنسيق العلاقات المعقدة بين الدول العربية الداعمة وليبيا حفتر ومليشيا الدعم السريع والفيلق الأفريقي الروسي، قيامه بزيارة إلى معسكر "معطن السارة" بالقرب من الكفرة قبل بضعة أسابيع.
خلال هذه الزيارة، أصدر صدام حفتر توجيهاته إلى فرق العمل التابعة له، والتي تشمل كتيبة طارق بن زياد وكتائب سبل السلام، بضرورة تطوير مهبط الطائرات لجعله قادرًا على استقبال طائرات الشحن الكبيرة، وخاصة طائرات "يوشن الروسية". كما وجه بتجهيز ثكنات الجنود ومعسكر التدريب، وحفر آبار جديدة لتوفير مياه الشرب، بالإضافة إلى تجهيزات عسكرية أخرى تتضمن منظومة اتصالات متطورة ورادارات حديثة وأجهزة تشويش متطورة.
بعد الزلزال السوري الذي أحدث تغييرات كبيرة في المنطقة، تتحدث معلومات مؤكدة عن تسريع وتيرة العمل في المعسكر الجديد، تمهيدًا لنقل الجنود التابعين لفاغنر من سوريا، ونقل المعدات العسكرية اللازمة وبدء تشغيل هذه القاعدة العسكرية الجديدة التي ترتبط بشكل مباشر بما يحدث في السودان من صراعات واضطرابات.
لم يتم التأكد حتى الآن من الكيفية الدقيقة التي تم بها نقل الجنود من قاعدة طرطوس السورية وقاعدة "حميميم" الجوية إلى مدينتي بنغازي وطبرق الليبيتين، ولكن المؤكد أن طلائع هذه القوات قد وصلت بالفعل إلى هناك، حيث تتواجد بالفعل فرق وخبراء عسكريون تابعون لشركة فاغنر ودولة عربية داعمة لحفتر، بالإضافة إلى عناصر من قوات الدعم السريع، وذلك لتنسيق عملية نقل المعدات والأسلحة والتجهيزات الخاصة بالقاعدة الجديدة والقواعد الأخرى التابعة للفيلق الأفريقي الروسي.
وغني عن البيان أن الفيلق الأفريقي الروسي، بالإضافة إلى تواجده المكثف في مناطق سرت والجفرة وبراك الشاطئ، يمتلك مناطق أخرى ينشط فيها في الجنوب الليبي، وذلك بهدف تعزيز التواصل المستمر مع المجموعات التابعة له والمتواجدة في كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى، ومؤخرًا التوغل في تشاد، وذلك بحجة أنه يمثل القوة المناوئة للوجود الغربي في دول منطقة الساحل الأفريقي، والوريث الطامح لوراثة النفوذ الفرنسي في أفريقيا.
تعمل قوات الفيلق الأفريقي بتنسيق كامل مع القوات التابعة لحفتر في الجنوب الليبي، وعلى رأسها الكتيبة 128 بقيادة حسن الزادمة، والكتيبة 129 التي يقودها محمد سيدي، والتي تتكون بشكل أساسي من مجموعات من قبيلة التبو المنتشرة في كل من ليبيا وتشاد والنيجر والسودان، بالإضافة إلى كتائب سبل السلام وطارق بن زياد. وقد اتخذ الفيلق الروسي مسارات أخرى لترسيخ دعائم وجوده في الجنوب الليبي، وذلك من خلال الاستثمار المكثف في مجال التعدين في شريط واسع يمتد من الشرق إلى الغرب في مناطق الجنوب والوسط، بدءًا من براك الشاطئ وتمسة والقطرون ومرزق وصولًا إلى جبال كلنجا والجبال السوداء في الجفرة وسط ليبيا.
ورغم أن قوات الفيلق الأفريقي الروسي تعلن أن مهمتها الرئيسية تنحصر في متابعة العمل في منطقة تحالف دول الساحل الأفريقي، ودعم الأنظمة الجديدة التي تخلصت من التبعية الفرنسية، والاستفادة المثلى من الموارد الطبيعية الوفيرة مثل الذهب والألماس واليورانيوم، إلا أنها في الوقت ذاته – وكما تشير تقارير دبلوماسية وصحفية موثوقة – تشرف بشكل مباشر على عملية تجنيد واسعة لمرتزقة من مختلف الجنسيات الأفريقية والعربية، وحتى من شرق أوروبا وأمريكا الجنوبية، وتتولى تدريبهم وتوزيعهم على مناطق النزاع المختلفة في أفريقيا، وخاصة في السودان.
ويؤكد مراقبون مطلعون على الأوضاع في ليبيا، ومصادر موثوقة داخل مجموعة حفتر، أن القاعدة المحتملة في "معطن السارة" ستستخدم لنقل المعدات العسكرية والسلاح والإمدادات والوقود اللازم، وأن طائرات شحن ضخمة تقوم حاليًا بنقل المعدات والأسلحة ومنظومات الاتصالات والتقنيات الإلكترونية المتطورة إلى مطارات في الجفرة وجنوب ليبيا والكفرة، وهي عملية نقل منظمة ومنسقة يرجح أنها تهدف إلى دعم مليشيا الدعم السريع في السودان بالسلاح والمعدات.
في المقابل، تشير تقارير أخرى ذات صلة بمليشيا الدعم السريع، إلى أن مهبط الطائرات في "معطن السارة" قد يستخدم في تنفيذ عمليات جوية من قبل طيارين مرتزقة جندتهم مليشيا الدعم السريع لشن هجمات جوية على مدن مختلفة في غرب ووسط وشمال السودان.
ومهما كانت التفاصيل والروايات المتضاربة حول استبدال سوريا بليبيا، ونقل الآليات والمعدات والمتعلقات الخاصة بالقواعد الروسية في سوريا إلى شرق وجنوب ليبيا، فإن ما يتعلق بالفيلق الأفريقي الروسي يثير قلقًا بالغًا بالنسبة للسودان والسودانيين، وقد يبدو هذا الأمر متناقضًا مع وجود علاقات جيدة ومتطورة وقوية جدًا بين السودان وروسيا.
إن فتح وتشغيل القاعدة العسكرية في "معطن السارة"، ووجود الفيلق الأفريقي الروسي ومرتزقته الأفارقة والأجانب، وهيمنة قوات حفتر، وتورط خبراء عسكريين عرب آخرين في الحرب الدائرة في السودان، ووجودهم في المنطقة الحساسة على الحدود السودانية الليبية والسودانية التشادية، يؤكد وبلا أدنى شك أن هذه القاعدة تستهدف بشكل مباشر المساس بأمن وسلامة السودان ودعم مليشيا التمرد المسلحة.